الثلاثاء، 17 مارس 2015

المؤسسة التعليمية و رهان التنمية البشرية المندمجة


المؤسسة التعليمية و رهان التنمية البشرية المندمجة









ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

لقد أضحى لزامًا في عصر التقنية و تدفق و سرعة المعلومة، أن تتمحور الرؤى و الفلسفات ذات البعد التنموي حول جعل الإنسان في قلب الاهتمام و التفكير، وفي صلب الفعل والمبادرة باعتباره مدخلًا أساسيًا للتنمية و الرفاه المنشود. فلقد بات تأهيل الإمكان البشري محطَ انشغال الفلسفات السياسية و الاقتصادية و الفكرية و أيضًا التربوية على وجه الخصوص، ودافعًا رئيسيا لتأسيس و تطوير الآليات و الإجراءات الرامية لذلك. كما لا يخفى علينا دور العديد من المؤسسات، كالمنظمات الدولية و الوطنية و المحلية و جمعيات المجتمع المدني في تعزيز النهوض بالقدرات و الإمكانات البشرية نحو السَير في اتجاه تحقيق التنمية البشرية المندمجة.

و لعلَ المدرسة- بمفهومها السوسيولوجي- كجزءٍ لا يتجزَأ من هذا النسق المؤسساتي، باعتبارها فضاءً تربويا و تعليميا، ووحدةً إنتاجية للرأسمال البشري، ما فتئت تشكل محورًا موضوعاتيا و مادة أساسية في صلب الجدل و النقاش العام، ورهانًا و تحديا لرسم الدور الفاعل المنوط بها في تأهيل و تأطير الفرد و المجتمع. فإلى أيَ حدَ تلعب المؤسسة التعليمية دورا رئيسيا في تحقيق التنمية البشرية؟

لمقاربة هذا الموضوع، سوف نقدم من خلال هذه الورقة مفهومًا عامَا للتنمية الشاملة و تعريفًا للتنمية البشرية المندمجة كشكلٍ من أشكال هذه التنمية، و سنتطرَق إلى إبراز العلاقة التفاعلية و التبادلية بين التنمية و التعليم باعتبار هذا الأخير جزءًا لا يتجزَأ من المنظور الشامل للتنمية، مع التركيز في الأخير على دور المدرسة في تحقيق التنمية البشرية المندمجة في ضوء التوجهات و الاختيارات التربوية الوطنية.

إنَ التنمية الشاملة هي "عملية تحوَل تاريخي متعدَد الأبعاد lemultidimensionn ، يمسَ الهياكل الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، كما يتناول الثقافة الوطنية. و هو مدفوع بقوىً داخلية، وليس مجرَد استجابة لرغبات قوى خارجية، وهو يجري في إطار مؤسسات سياسية تحظى بالقبول العام و تسمح باستمرارية التنمية في شتَى أشكالها: الصناعية، الزراعية، البشرية، المستدامة..."

أما التنمية البشرية، فهي شكل من أشكال التنمية الشاملة، و هي عملية تنمية و تطوير إمكانيات و مقْدرات الإنسان، بهدف توسيع الخيارات المتاحة أمامه. إنه مفهوم يتجاوز الفلسفة الاقتصادية الضيَقة التي ظلَت سائدةً طوال العقود الماضية، إلى مجال أوسع هو مجال الحياة البشرية، بمختلف أبعادها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية، باعتبار الإنسان جوهر وغاية التنمية البشرية ذاتها، أي تنمية الإنسان بالإنسان وللإنسان.

فمفهوم التنمية البشرية سابقًا، ارتبط بالنظريات الاقتصادية التقليدية التي ترتكز على البعد المادي للتنمية، و كمية ما يحصل عليه الفرد من سلعٍ و خدماتٍ، مهملةً البعد الاجتماعي و البشري. و نظرا لأن الإنسان هو الثروة الحقيقية للتنمية و أن قدرات الأمم تكمن فيما يمتلكه إمكانها البشري من طاقات و مؤهلات و كفاءات عالية، فإن مركز ثقل الفكر التنموي انتقل من المصانع إلى الجامعات، و أعطيت الأولوية في مقاربة التنمية للكتب بدل الآلات، فاتجهت بذلك نماذج الإنماء الاقتصادي نحو التركيز على أهمية الإستثمار في الطاقة البشرية من خلال إيلاء الاهتمام للتعليم و التكوين و التدريب بعد الأبحاث التي أجراها كثير من المفكرين و الباحثين، أمثال الاقتصادي الأمريكي ثيودور شولتز Theodor Shultz التي اكتشف في ضوء نتائجها عن أهمية الخبرات و المهارات المكتسبة في التأثير على عملية الإنتاج و الأداء الاقتصادي.

و من هنا، تتجلَى العلاقة التفاعلية و التبادلية بين التعليم-التكوين و التنمية كمفهومين متلازمين يؤثر كل واحد منهما على الآخر لدرجةٍ يصعب التفريق بينهما. فالتعليم و التكوين يساهمان في رسم و تحديد النموذج الإنمائي المنشود عبر رصد الإمكانات البشرية و المادية اللاَزمة، و كذا تتبَع و مصاحبة و تقييم المشاريع و الأوراش التنموية بكلَ دقَةٍ ووضوح من أجل بلوغ الأهداف المسطَرة سلفًا. أما التنمية فتؤثر على التعليم في تأسيس و تطوير المؤسسات و الآليات و الإمكانيات الكفيلة بتأهيل التربية و التكوين و تجويد الفعل التعليمي و التَعلمي.

فلقد أصبح تأهيل المؤسسة التربوية و مؤسسات التكوين هاجسًا يؤرق مضجع الكثير من المفكرين و الباحثين التربويين، باعتبار أن الفرد هو اللَبنة الأساسية لبناء الصَرح الحضاري و التنموي. فالإمكان البشري المؤهل ذو المقدرة على ريادة نهضة البلاد، ما هو إلا مخرج من مخرجات المؤسسات الاجتماعية و المؤسسة التعليمية على وجه الخصوص.

إن الطريق نحو التنمية البشرية المندمجة يبدأ أساسا بالفعل التعليمي و التربوي بغرض تكوين الأجيال القادرة على الاندماج الكامل في الحياة العملية و الاجتماعية، عبر إكسابها المهارات و المعارف و القيم الضرورية التي تؤهلها للإسهام في البناء المتواصل و المتراصَ لوطنهم على جميع المستويات. في هذا السياق بالذات، "ينبغي لنظام التربية و التكوين أن ينهض بوظائفه كاملةً تجاه الأفراد و المجتمع، بمنحهم فرصة اكتساب القيم و المعارف و المهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية، و فرصة مواصلة التعلَم كلَما استوفوا الشروط و الكفايات المطلوبة، و فرصة إظهار النبوغ كلَما أهلتهم قدراتهم و اجتهاداتهم"- الفقرة 7 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين-.

بناءً على ذلك، يُعدَ من الضروري مأسسة الفلسفة التعليمية و التوجَهات التربوية لنظامنا التربوي و جعلها تتمحور حول تأهيل المتعلَم(ة)، و اكسابه المعارف الضرورية و المهارات اللاَزمة و القيم الأصيلة و تربيته على التشبَع بالمواطنة و حقوق الإنسان و إشاعة ثقافة التسامح و الحوار و الانفتاح على الآخر، أملاً في تحقيق النمو و التَقدم المطلوب و مقصدًا للرَخاء و العيش الكريم.

إنَ غاية التنمية البشرية هي الإرتقاء بالإنسان و جعله محور الازدهار و الرَفاه المنشود، مما يستدعي لبلوغ هذا الهدف النبيل توحيد الرَؤى و الاختيارات التربوية من أجل إرساء تعليم ذو جودة عالية و تكوين أساسي رفيع و مستمر و مستديم، متجاوزًا البعد التقليدي الإلقائي إلى بعدٍ أكثر انفتاحا و دينامية في إطار تدبير عقلاني و مقاربة تشاركية مع المحيط على صعيد كافَة المستويات.

هشام مصباحي ، أستاذ التعليم الإبتدائي.

تربويات







source منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية http://ift.tt/1Gl2BIp

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


THE PROFESSIONAL TECH ©2012-2013